في كل مرة أتكاسل فيها عن كتابة تدوينة اليوم أو أسوفها لأي سبب ما، تتلاشى هذه العقبات بمجرد فتح جهازي حتى لو لم أبدأ بالكتابة بعد، وغالبًا في مثل هذه اللحظات أكون منفتحة للقراءة والاطلاع أكثر من الكتابة نفسها، الأمر الذي سيشدّني تدريجيا إلى الكتابة إن أعطيت هذا الوقت مساحته، ولاحظتُ أمرا بسيطا، وهو أن مجرد الجلوس وانتظار الهمّة لأقوم لعمل مهمّة معيّنة سيجعلني متكاسلة إلى الأبد، وشغفنا في المهام لا يعني أننا لن نعيش لحظات التكاسل والتسويف، بل سنكون أكثر إنتاجيّة إن قررنا أن نقوم بعمل أي شيء يخصّ هذه المهمة المؤجلة، والبدء بخطوة صغيرة تشدّنا إلى المهمة الأساسية، المهم ألّا نبقى عالقين.
الخطوات الصغيرة
حين كنت أعمل كمصممة جرافيك بطبيعة الحال كنت أصاب بلحظات من التكاسل والخمول، فكانت الخطوات الصغيرة بمثابة تغذية بصرية لأعمال فنانين آخرين، أو تعلم تقنية جديدة في مجالي حتى إن كانت لا تفيدني بشكل مباشر في مهمتي اللاحقة، وتختلف الخطوات الصغيرة التي تشدّك تدريجيا إلى عمل مهمتك الأساسية وتنتشلك من الكسل باختلاف مهامك، ولكن هذه النقطة تشير بنا إلى نقطة أكثر أهمية وهي اختيار المهام التي نضع أنفسنا أسيرة لإتمامها.
اختيار المهام
كشخص يخنقه التقييد والالتزام تزعجني كثيرًا كثرة المهام وتعددها ووضع التوقيت اللازم لتسلميها، ولكن الحياة لا تسري بعشوائية، ولذلك كان لزامًا أن أجد حلّا لتعاملي مع هذه المسؤوليات، وهو أنني أختار بعناية المهام التي سألتزم بها، ولا ينطبق ذلك على العمل فقط، بل حتى في حياتي الشخصية والاجتماعية، وأسأل نفسي ماهي المهام التي سألتزم بها؟ نوعيّة المهام هي التي تحدد مكان وصولك بعد شهر أو سنة أو عشر سنوات، وبعض المهام لا توصلك إلى أي مكان، مثل تصفح الجوال لمدة ساعات متواصلة، وحتى بعض الأعمال التي يغلب عليها طابع الجدية والفائدة كثير منها لا تفيدك أنت شخصيا في مسارك، فإذا كنت تخطط لتكون ماهر بالتحدث بالفرنسية بعد عام مثلا، فالتركيز هو أهم مطلب لقفز خطوات كبيرة في هدفك، فإذا قررت أن تختار المهام التي لا تخدم هدفك مثل الاشتراك في تحدي سنوي يتضمن قراءة 50 كتاب عن الصحة النفسية، فهل ستحقق هدفك المرجوّ بالتحدث بالفرنسية بعد عام؟ رغم أن مهمة التحدي بشكلها المجرد مفيدة ولكنها لا تلائم مسارك ولن تطورك به خطوة واحدة، ونستخلص من هذه الفكرة أن اختيار المهام ثم التركيز عليها هو من أفضل الحلول خصوصا للأشخاص الذين لا يحبون التقييد بمهام كثيرة، عدا عن كونها تحفظ وقتك من الضياع.
الالتزام
الحصول على النتائج الرائعة من اختيار المهام بحكمة يتجلى في الالتزام بها، فحين تختار مهامك التي تخدم هدفك طويل المدى فلابد أن يوافق ذلك التزامًا بها، فكيف ستحقق المركز الأول في بطولة السباحة إن لم تلتزم بالنصف ساعة اليومية المخصصة للسباحة؟ أو إن لم تتغلب على رغبتك في مشاهدة المزيد من حلقات المسلسل المفضّل لديك؟ الالتزام بالمهام الصغيرة والمحددة بدقة هو بوابة للوصول إلى أهدافك بمستوياتها العالية.
الجهد واحد، العقلية تتغير
زيادة ساعات العمل خلال اليوم لا يعني
بالضرورة التقدم السريع، إذا كنت تعمل بنفس العقلية التي تعمل بها منذ عام، فبدل
أن تقضي عشر ساعات في قراءة وتصفح وتعلم مهارات متعددة تخدم حياتك (بشكل عام)، قد
تتطور ولكن بعشوائية وبطريقة لا تصلك بك إلى الهدف المنشود! العقلية التي تعمل بها
تتمثل في الطرق الصغيرة التي تعي بها كيف تحوّل الدقائق الضائعة إلى جهد مثمر،
وكيف تستمتع بيومك بالإضافة إلى أداء مهامك التي قمت باختيارها وقررت الالتزام بها
لأنها تخدم سيرك في الطريق إلى هدفك الكبير.