10- الإجحاف في قول نعم

3 min read

صورة من صور ظلمك لنفسك أن تقول نعم لكل شيء، وليس بالضرورة أن يكون قولها لفظيا، فأنت حين تقوم بفعل ما لا تريده ولكنّك تقوم به على أيّ حال، لأسباب مختلفة ومتعددة، أو عندما لا تعرف طريقة الانصراف اللبقة من حديثٍ مزعج أو شخص متعجرف، وعندما تشرب القهوة بمرارتها وأنت تحب (السبانش لاتيه) كنوع من المجاملة اللطيفة، أو حين تقرر استكمال الصراع لأنك تفهم الانسحاب كضعف، وحين تُلزم روتينك بعادة جديدة لا تلائم أهدافك فقط لأن كل كتب تطوير الذات تشيد بذلك، فقد وقعت بفخ قول نعم بصورته المعنوية، ونحن بلا إدراك منا نقوم بذلك حيال الأشياء التي لا يفترض بنا قبولها.
 
لماذا نقول نعم للأشياء التي لا نريدها؟
  النظرة الشحيحة
حين تكون نظرتك تميل للضيق والقِلّة، ستعتقد أن العرض الذي عُرض عليك هو الوحيد في هذا العالم رغم أن إمكانياتك تفوقه بكثير، ومع ذلك تقرر قول نعم، أعتقد في كثير من الأحيان نضطر للصبر على ما لا نريده لأجل تحقيق شيء نريده، أو القبول لأسباب خارجة عن إرادتنا، وأنا هنا لا أتحدث عن هذه الحالة، فإذا فهمت ما وراء كلمة "نعم" وأسبابها ولماذا قمت باختيارها فهذه حكمة، ولكن أن تقولها لمجرد اقتناعك بفكرة الشّح في هذا الكون الواسع الوفير، فهذا إجرام في حق نفسك، ومن رأيي الشخصي أن النظرة الشحيحة هي من أكبر المسببات التي تجعلنا نستقبل ما لا نودّ استقباله فقط لأن هذا هو المتاح أمامنا!
  المجاملة
في هذه الحالة يدفعنا الاضطرار لقول نعم، فأنت لا تريد جرح مشاعر صديقك الذي طلب منك عملًا ما في يوم يزدحم بالمهام، فتقول نعم كي لا تحرجه ولكنك ستسبب لنفسك عبئا إضافيا، المجاملات لطيفة في بعض الأوقات ولكنها في هذه الحالة تحديدًا تستحق أن تقول لها لا بكل لباقة.
  التأثر
لماذا تقول نعم لصديقك البائس من الحياة والمحبط وأنت لا تشعر بذلك إطلاقا؟ لماذا تتبادل معه شتم الحياة وحظوظها السيئة وأنت راضٍ تماما عن حياتك؟ الصورة المعنوية لنعم هنا شديدة البؤس على نفسك وعلى الآخرين أيضًا، فأنت عندما ترفض البوح عما تشعر به فأنت ستكون هنا المتأثر لا المؤثر، ولماذا تقبل مشوار الذهاب مع صديقك لشراء قطة في حين أن هذا الأمر يخالف مبادئك؟ قول نعم في حالات التأثر يحصل بسرعة بالغة وبلا إدراك غالبا، لأنك ربما ستتعامل مع قريب أو مقرّب أو شخص تقدّره وتحترمه، ولا يخطر ببالك أنك ستقول نعم معنويا، وربما في بعض الأحيان نقبل وندرك أن هذا القبول غير نابع من دواخلنا، إلا أنها حالات استثنائية نقلل منها، المشكلة تكمن في عدم إدراكنا لهذا الأمر، فنقول نعم لكثير من الأشياء متأثرين بالآخرين لا مؤثرين.
  الخوف
هل قبلتَ بوجود شخصٍ ما في حياتك رغم أنه يزعجك كثيرًا؟ لديك أصدقاء كثر ولكنهم لا يشبهونك، وذلك لأنك تقول نعم للعلاقات غير الجيدة خوفًا من الوحدة، وتقول معهم ما لا يشبه داخلك ولا يعبّر عن رأيك لأنك تخاف الإحراج منهم، أيضًا يمكن أن تقول نعم للكسل/للخمول/للاندثار، لأنك تخاف التغيير والتجديد والخروج من دائرتك المألوفة والمريحة! أيضًا استسلامك للإحباط وإفساح المجال له ليحدث كل فوضاه في حياتك هو شكل من أشكال قول نعم خوفًا من الفشل، وعلى ذلك فقِس.
  الضياع
نقول نعم للأشياء التي لا نريدها حينما نتوه عمّا نريده فعلًا، فكيف نميّز بين ما نريده وما لا نريده في حين أننا لم نكتشف أنفسنا أصلًا؟ الضياع مسبب كبير لقولنا نعم لكل شيء، فنحن سنقول نعم وفي كل الأحوال لن نخسر شيئا، لأنه وبنظرنا أن المكاسب/المخاسر مادية فقط، ويغيب عن أذهاننا بأن الوقت والجهد والتركيز مكاسب ومخاسر أيضًا.

فكّر مليا قبل أن تقول نعم للأشياء المجحفة في حقك، وعندما تقول لا 100 مرة، فأنت ستكسب كثيرًا عندما تقول نعم في اللحظة المناسبة.

قد تُعجبك هذه المشاركات

  • أدركت اليوم في حوار مع صديقتي بأنني لا أعترف بإنجاز المهمة ما لم تكن ضمن خطة مسبقة قد وضعتها لتحقيق هدف ما، فأنا لا أشعر بلذة الإنجاز عند قراءة كتاب ما قمت بقرائته بالمصادفة، أو نص…
  • صورة من صور ظلمك لنفسك أن تقول نعم لكل شيء، وليس بالضرورة أن يكون قولها لفظيا، فأنت حين تقوم بفعل ما لا تريده ولكنّك تقوم به على أيّ حال، لأسباب مختلفة ومتعددة، أو عندما لا تعرف طر…
  • تعود إلى المنزل بعد يوم متعب وشاق، تبدأ بـ"تضييع وقتك" في أشياء تحبها وتستمتع بها، تشاهد مسلسلك المفضل أو تلعب ألعابا معينة، أو تطبخ الطعام الذي تحبه، أو تلتقي بأصدقائك، وغيرها. تخ…
  • في نقاش لطيف مع صديقتي سارة ذكرت لي صفة تحبها في شخصيتي، وأنا استغربت كثيرا أن هذه الصفة موجودة فيني لدرجة أنها تظهر بوضوح للآخرين، لم أكن أعلم أننا نغرق في الأشياء المحاطة بنا ولا…
  • احترت في اختيار العنوان لهذه التدوينة، فأطلقت عليها العنوانين المقترحين، وهذا يعبّر عمّا نواجهه يوميا في اتخاذنا لقرارات معينة، خصوصا حين يحتّم علينا اختيار ما استبعاد الآخر، وغالب…
  • اعتدنا الانغماس في الأعمال الروتينية كجزء لا يتجزأ من يومنا، فكل شيء حولنا منظم بدقة ويتطلّب استمرارا في تكرار العمل ذاته كلّ يوم، ذلك لأن معظم المهام المطلوبة منا تأخذ هذا الشكل، …

إرسال تعليق

ما تعليقك على التدوينة؟