7- تصالح مع وقتك الضائع

3 min read
تعود إلى المنزل بعد يوم متعب وشاق، تبدأ بـ"تضييع وقتك" في أشياء تحبها وتستمتع بها، تشاهد مسلسلك المفضل أو تلعب ألعابا معينة، أو تطبخ الطعام الذي تحبه، أو تلتقي بأصدقائك، وغيرها. تختلف الاهتمامات وتتنوع بمستوياتها، فبعضها بنظر المجتمع مفيدة مثل قراءة الكتب أو الاستماع للبودكاست، وبعضها بحسب رأي الكثيرين غير مهمة و (مضيعة للوقت)، حتى بحسب رأي الشخص نفسه الذي يقوم بهذا الأمر، فمثلا تجد شخصا يدمن مشاهدة المسلسلات وهو يعلم في قرارة نفسه أنها لا تفيده في أي شيء إطلاقا، وهذه مفارقة عجيبة، ولكنني لا أتكلم من منطلق شخص ناصح بأن تترك مضيعة الوقت وتنشغل في المفيد، فأنا لديّ رأي آخر في هذا الموضوع، كوني أكثر شخص تقريبًا (يضيّع وقته) ولا مشكلة لديّ في ذلك.

الاهتمامات ليست زائفة
في إجازاتك أو أوقات فراغك، ما هو المكان الذي تقضي فيه ساعات طويلة بلا ملل؟ ما هو الشيء الذي تتحمس لإعداده أو تحضيره أو الذهاب إليه؟ فكّر مليا بكل الأمور التي تشعر بسعادة غامرة وأنت تقوم بها، حتى إن بدا لك هذا الأمر سطحيا وسخيفا، قد تكون مولعا بالجلوس مع الأطفال مثلا! وتنقضي ساعات طويلة ولا تشعر بمرور الوقت معهم، أو تحب إعداد الحلويات، أو تأليف القصائد الشعرية، أو حتى اختيار الأفلام للسهر مع أصدقائك، أدرك جيدا الأمور التي تفصلك تماما عن الزمان والمكان ولا تشعر أثناء عملها سوى بالسعادة والراحة بعيدا عن ضغوطات العمل والالتزامات.

شرارة الفضول
يشيع بين الناس عادة حب الفضول تجاه الأشياء الخارجية الغريبة، ولكن جرّب أن يستثير فضولك كينونتك الداخلية، فكّر ما هي الأمور التي تستطيع القيام بها بلا جهد يذكر؟ في حين أنه يصعب عملها على الكثيرين، بمعنى آخر: ما هي موهبتك المولودة معك؟ هذا السؤال مزعج قليلا ويضعك تحت ضغط، وقد تسأل نفسك الآن ما علاقة هذا السؤال بتضييع الوقت؟ لا تخف فأنا لن أنصحك بممارسة موهبتك في أوقات فراغك، ولكن الآن ولأسهّل عليك التفكير في نفسك وما أنت بارع بالقيام به، فكّر في الأمور التي كنت تقوم بها في طفولتك، هل كنت تخرب الجدران بألوانك؟ أم تتلف كتبك الدراسية بقصّها وتحويلها لأشكال هندسية؟ هل كنت تكتب شعرًا لمعلمتك المفضلة؟ أم تصنع دمى من قطن وسادتك وقماش ثوبك القديم؟ فكّر في كل الأمور المجنونة التي كنت تقوم بها وربما وُبّخت عليها كثيرًا، نحن في الطفولة لا نعرف العوائق ولا المستحيل ونرى أن كل شيء في خيالنا قابل للتحقيق على أرض الواقع بسهولة، لا أقول أنّ عليك اكتشاف هذه الموهبة فورا والآن، ربّما ليس بالأمر الهيّن أن تكتشف هذا الجزء بداخلك، ولكن إشعالك لشرارة الفضول هذه على مدار الأيام والأشهر والسنوات سيؤهلك حتمًا لاكتشافه وبالمصادفة، ضمن موقف ما أو ذكرى أو حوار أو تجربة جديدة تخوضها.

اخلق علاقة وطيدة مع وقتك الضائع!
منذ عدّة أشهر -لا أذكر متى تحديدا- قررت مراقبة وقتي الضائع، لأكتشف ما هي الأمور التي أستمتع بالقيام بها لساعات طويلة دون تعب أو ملل، وعلى مدار الأشهر لاحظت 4 أمور أحبها وأستمتع بها بعيدا عن العمل والضغط والالتزامات، ولا أمانع في أن أقضي يومي كاملًا في ممارسة هذه الأمور أو أحدها.
قررت في هذه الفترة -كما أخبرتكم في تدوينات سابقة- أن أعطي حبي للكتابة قليلا من الجدية والمساحة في يومي، ومن هذا المنطلق دفعني الفضول للبحث أكثر عن مجال "كتابة السيناريو" للأفلام والمسلسلات، كوني أحب الكتابة وأودّ تجربة أشكال جديدة منها، وأثناء غوصي في هذا العالم (عالم كتابة السيناريوهات) اكتشفت أن موهبة الكتابة لدي في هذا الشكل تحديدا تتقاطع مع اثنين من الأمور (التافهة) التي أقوم بها في أوقات فراغي، فأنا أعشق مشاهدة المسلسلات، وأدمن سماع قضايا القصص الإجرامية الواقعية، وكتابة السيناريو يتضمن العنصر الأول بشكل مباشر والعنصر الثاني بشكل غير مباشر، وكثير من القضايا الإجرامية الواقعية تحولت لأفلام ومسلسلات ونجحت نجاحا ساحقا.

ماذا يعني كل هذا؟
الأمور التي تقوم بممارستها في أوقات فراغك تعبّر عن جانب ما من شخصيتك، أو جزء مختبئ في داخلك لم يحن وقت ظهوره بعد، ولكن إدراكها ومحاولة رصدها أمر مثير للاهتمام، بجانب موهبتك الربانية التي ولدت معك، أو حتى مهارتك التي اكتسبتها مع الحياة وأصبحت بارعا بها، جرّب أن تدمج ما بين اهتماماتك وموهبتك أو مهارتك، واخرج قليلا من الدائرة المألوفة والمريحة التي تعيش بها يوميا ضمن روتين يسحق إبداعك، أعطِ فرصة لوقتك الضائع، فهو غير ضائع إطلاقًا.

قد تُعجبك هذه المشاركات

  • احترت في اختيار العنوان لهذه التدوينة، فأطلقت عليها العنوانين المقترحين، وهذا يعبّر عمّا نواجهه يوميا في اتخاذنا لقرارات معينة، خصوصا حين يحتّم علينا اختيار ما استبعاد الآخر، وغالب…
  • تعود إلى المنزل بعد يوم متعب وشاق، تبدأ بـ"تضييع وقتك" في أشياء تحبها وتستمتع بها، تشاهد مسلسلك المفضل أو تلعب ألعابا معينة، أو تطبخ الطعام الذي تحبه، أو تلتقي بأصدقائك، وغيرها. تخ…
  • صورة من صور ظلمك لنفسك أن تقول نعم لكل شيء، وليس بالضرورة أن يكون قولها لفظيا، فأنت حين تقوم بفعل ما لا تريده ولكنّك تقوم به على أيّ حال، لأسباب مختلفة ومتعددة، أو عندما لا تعرف طر…
  • أدركت اليوم في حوار مع صديقتي بأنني لا أعترف بإنجاز المهمة ما لم تكن ضمن خطة مسبقة قد وضعتها لتحقيق هدف ما، فأنا لا أشعر بلذة الإنجاز عند قراءة كتاب ما قمت بقرائته بالمصادفة، أو نص…
  • اعتدنا الانغماس في الأعمال الروتينية كجزء لا يتجزأ من يومنا، فكل شيء حولنا منظم بدقة ويتطلّب استمرارا في تكرار العمل ذاته كلّ يوم، ذلك لأن معظم المهام المطلوبة منا تأخذ هذا الشكل، …
  • خلال العامين الماضيين كنت أصب معظم وقتي وجهدي في مجال واحد (تصميم الجرافيك)، حتى توقفت للحظة وسألت نفسي: هل هذا حقا ما أريده؟، يبدو السؤال قصيرا وواضحا إلا أنني استغرقت شهورا لفهمه…

إرسال تعليق

ما تعليقك على التدوينة؟