حين أشكّ في أمرٍ ما، لا آخذ وقتا طويلًا للتأكد بأنّ هنالك شيء خاطئ، واستوعبتُ الدرس
جيّدا، وهو أن الشّك يعني حدوث خلل مرئي أو غير مرئي جعلني أشعر بهذا الشّك، لأن
الأمور الصحيحة تكون واضحة جدا بالقدر الذي لا ننتبه له، الوضوح التام لا ينبّهك،
ولا يشعل بداخلك شرارة ما، فأنت حين تكون بصحة جيّدة لا تستوعب فجأة أن صحّتك
جيّدة، ولكن حين تمرض بشدّة فالآلام ستنبّهك بأن هنالك مرض ما في جسدك، وقِس ذلك
على جميع جوانب حياتك، فحين تكون شغوفًا في عملك، ستمر عليك شهور وأعوام في ممارسة
هذا العمل بلا شعور بالتقصير أو ضياع الوقت، بل على العكس ستكون مشاعرك في تطوّر
مستمر، شعور بالإنجاز والتقدم وإثبات الذات، الأمر الذي لن تلاحظه إلا حينما يقع إشكال
ما، فلنفترض أن عدد ساعات عملك ازدادت، وشعرت بالضغط يومًا بعد يوم، رغم أنك ما
زلت في نفس الوظيفة والمكان والأشخاص، ولكن هناك شيء ما ينبّهك دومًا بأنك لست على
ما يرام، وستدرك لاحقًا أن ساعات العمل الزائدة هي السبب.
في
كثير من الأحيان نشعر بهذا الشّك في داخلنا، ولكن محظوظ هو من يُدرك مصدر هذا الشك
وينتشله من جذره، ذلك أن التعقيدات والمسبّبات تحيط الشّك من كل جوانبه، وغالبًا
لأننا نتجاهله لفترات ليست بقصيرة، بحكم أننا نودّ أن نعيش بسلام واطمئنان كما
اعتدنا، ولكن حين نقرر أخيرًا تصديق هذا الشّك، نبدأ بالبحث عن جذوره وأسبابه بعد
أن حاوطته الكثير من التراكمات القديمة، حتى حين تكون الوقائع غير مطابقة لنتائج
هذا الشّك، فنحن نضطر لتصديقه خصوصًا بعد مرور وقت طويل على ولادته بداخلنا،
فنختار أخيرًا أن نؤمن به.
اختبرتُ
هذا الشّك في كثير من جوانب حياتي، في العمل/العلاقات/الصحة النفسية/الصحة
الجسدية/ حتى في ممارساتي لهواياتي! وبعد مروري بكثير من هذه التجارب توصّلت إلى
نتيجة أخيرة، وهي أن وجود الشّك يعني أن هنالك خللٌ ما، ونتيجة حدوثه أدّت إلى
شعوري بالشّك، وخلِصت إلى فكرة أخرى وهي أن الأمور الواضحة لا تحتاج إلى تبرير أو
تفسير، وهي واضحة جدا لدرجة أننا لا ننتبه لها، فنحن كي ندركها سنكون بحاجة إلى تذكير أنفسنا بها بشكل مستمر، بينما الأمور غير الواضحة تفرض نفسها علينا، فتجعلنا
دائما في محلّ تساؤل واستفهام، وفي أحسن الأحوال سنكون مدركين لهذا التساؤل،
ولكننا في كثير من الأحيان لا ندرك التساؤل حتى، ونستبدله بسؤال واحد دائما:
"هل شكوكنا في محلّها؟".