المشاركات

27- الاستمرارية المؤذية



نسمع دائما عن الاستمرارية وأهميتها في تحقيق الأهداف، ولذلك نركز كثيرًا عليها أثناء قيامنا بأي شيء، أصبحنا لا نركّز على نوعية الهدف أو توجّهه وإنما نصبّ جُلّ جهدنا على الاستمرارية، ولكن ماذا لو كانت استمراريتنا في الاتجاه الخطأ؟ هل سنحصل على مميزات الاستمرارية حتى وإن كانت استمراريةً بلا روح، بلا عاطفة، وبلا معنى؟

أعتقد أنه من المهم جدا أن يسبق الاستمرارية خطوات مهمّة، أن تتأكد من هذا الشيء الذي تودّ الاستمرارية فيه، ألّا تطمع بنتائج الاستمرارية المغرية وتتجاهل سلبياتها التي قد تكتشفها في منتصف الطريق فقط لأنك استعجلت المغريات، وأحد هذه السلبيات أن تبذل جهدا ووقتا في طريق لا تريده، أو تضيّع فرصا رائعة لأنك قررت أن تستمر في شيء لست متأكدا منه.
 

حاوِر نفسك  

دائمًا وقبل البدء كن صديقًا لنفسك، حاورها وعبّر بصدق عن قبولك/رفضك لأهداف أو ممارسات معينة، حتى وإن كان تحقيق هذا الهدف مطلوبًا/متوقعًا منك، أو أنك ستكون محل ثقة وتقدير من أهلك أو المجتمع حين تكون بهذه الصورة أو تقوم بهذا الدور، ولذلك فيجب أن تحاور نفسك:
· من أين نبعت رغبتي لتحقيق هذا الهدف؟
· هل أنا أعيش حقيقتي في هذا الدور؟
· ما الشعور الذي يعطيني إياه تحقيق هذا الهدف؟
والسؤال الأهم:
· ما الشيء/الشخص الذي إن لم يكن موجودًا سأترك تحقيق هذا الهدف؟

أجب عن هذه الأسئلة بصدق محاورًا نفسك، الإجابات الصّادقة الشّفافة التي لا تتلبّس دورًا مزيّفا ستعطيك تصورًا واضحًا عمّا إذا قد حان دور الاستمرارية لتحقيق هدفك، وعمّا إذا كانت الاستمرارية أداة ستخدم هدفك، أم هي الهدف الأساسي الذي ستتعب في تحقيقه. في الحقيقة هناك فرق جوهري بين من يستخدم الاستمرارية كأداة لتحقيق هدف ما، وبين من يضع الاستمرارية هدفا أساسيا، الأول يرى غاياته بشكل واضح وهي -في الغالب- تلائم رغبته الحقيقية وموهبته الدفينة، بينما الآخر اختار هدفا مزيفا -بإدراك منه أو بلا إدراك- إما ليرضي أشخاصا معينين أو ليكون في صورة يحبّها لنفسه أو ليشبع شيئًا بداخله، ولذلك فهو يعاني لأجل أن يستمر، بالطبع هذا الكلام لا يعني أنه من المفترض ألّا نجتهد من أجل الاستمرارية، فبالتأكيد جميعنا نمرّ بحالات تكاسل ومماطلة وتسويف، تجعل من الاستمرارية عبئا ثقيلا، ولكن النقطة الجوهرية أن هذه الحالات كان من المفترض أن يسبقها فترات متتالية من الاستمرارية غير المتكلفة، فالأول مثلا سيمتلك لياقة المقاومة ومجاهدة النفس لأنه كان يعيش بسريان مع هدفه في الفترات الماضية، على العكس من الآخر الذي اتخذ الاستمرارية هدفًا من البداية، وأصبحت حالته الطبيعية أن يجاهد كل يوم ليستمر، فحالته الأساسية هي مقاومة وصراع، ولذلك سينهار كليا حين يتعرض للفترات الطبيعية من التكاسل والمماطلة والتسويف، وهنا قد ينهي مشواره كله، لأن كل لياقته في المقاومة ومجاهدة النفس استُنزفت من قبل ولوقتٍ طويل... 

 ولذلك قبل أن تضع جهدك في الاستمرارية، فكّر في هذا الجهد، هل هو مقاومة وصراع؟ أم هو سريان وانسجام؟ فكّر في اللحظات التي ستصيبك باليأس والتكاسل والإحباط، هل ستنهار فورًا لأنك استنزفت طاقتك في الفترات الماضية؟ أم ستصمد أمامها لأن لديك لياقة في المقاومة لم تُستنزف بعد؟ فكّر كثيرًا قبل أن تقرر الاستمرارية في اتجاه معيّن.

إرسال تعليق

ما تعليقك على التدوينة؟