إن
أصعب مهمّة في حياة الإنسان -من وجهة نظري على الأقل- هي توصيفه العادل لذاته بدون
الحاجة إلى النظر للخارج، غالبًا ما نلجأ للطريقة السهلة لتوصيف ذواتنا وهي عن
طريق قياسها بمتغيّر خارجي، ومن هذا المنطلق نبدأ بمقارنة ما نقوم به وما يقوم به
الآخرون، لأن المقارنة هي تفضيل ما بين أمور موجودة حاليا، نستطيع إدراكها وتحليلها،
فنحن نستطيع المقارنة جيدا بين اللون الأحمر والأزرق، ولكن تصعب المعادلة حين
نقارن بين الأحمر والوردي مثلًا، ولذلك نلجأ للمقارنة بالطريقة الأولى.
مقارنة
نفسك مع الآخرين هي بمثابة المقارنة بين اللون الأحمر والأزرق، مقارنة غير عادلة
إطلاقًا بين متغيّرين مختلفين في طبيعة التكوين، وتُخدع بسهولة المقارنة مع الآخر
كون الاختلافات بينكما واضحة جدا، وهذه هي الطريقة التي اعتدت عليها لتتعرّف على
ذاتك، من خلال الآخرين فقط.
دعني
أقول لك أن هذه الطريقة سطحية بمقدار سهولتها، لأنها تلغي جميع اختلافات التجارب
والفرص والأعمار والظروف والقدرات والأقدار، وبالتالي ستهاجمك مشاعر الفشل/الخوف/اليأس/الجُبن
بعد الانبهار من نتائج الآخرين، الأمر الذي يضعك تحت ضغط هائل بأنك إما أن تكون
الأفضل أو لا تكون، وعلى مدار السنين ستجلس عالقًا في مكانك تراقب سير الآخرين
بثبات مدمّر، سيهاجمك وحش العمر وسيره المستمر على وتيرة واحدة، بأيامه وأسابيعه
وشهوره وسنواته، ووفقًا لهذه السنّة الكونية ستتزايد ضغوطاتك مع كلّ يوم يمر تجاه
عمرك المتقدّم وذاتك العالقة في مكانها، لتبدأ معاناتك الأزلية مع جلد الذات
وانخفاض قيمتها بالتدريج.
وأهلًا
بك الآن في نسختك الجديدة! النسخة المزيّفة والمقلّدة، تحاول استنساخ نتائج شخص ما
أو أكثر، وتطبيقها على واقعك بعشوائية، ولاحظ أنني قلت النتائج ولم أقل الطريق،
ذلك لأن الطرق غير مرئية ومعقّدة وطويلة ولا يستطيع استيعابها سوى من سلكها، ولذلك
لماذا تستهلك طاقتك في استيعاب ما تجهله؟ في حين أنك تملك الطريق الطويل الخاص بك،
والذي بدأ منذ لحظة ولادتك، ويعتمد مدى عمق تعريفك لذاتك على الطريقة التي
تستخدمها، فهل تستخدم نتائج الآخرين كمعيار سطحي تقيس عليه، أم تتعمق في تفاصيل
مسيرك؟ تجاربك القديمة، قدراتك المكبوتة، مواهبك الموروثة، مستوى تعليمك وطاقة
مشاعرك ومدى إدراكك؟
باختصار:
نتائج المقارنة مزيّفة ونتائج التركيز أصيلة، وأنت سيّد الاختيار.