تبذل قصارى جهدك في التركيز على أمر واحد، أن تثبت لنفسك أنك تستطيع فعل الشيء الفلاني، والأمر الصعب الآخر، وكل المشاكل المتعددة والمتراكمة التي تكتسح طريقك واحدة تلو الأخرى، لدرجة لا تسمح لك بالنظر من حولك، تدخل في دوامة تركيز عميقة تجاه كل شيء لهدف واحد: أن تثبت نفسك لنفسك، ولكنك تتفاجأ بعد العديد من المحاولات وخط السير البطيء بنظرك أن حولك جمهورًا لا بأس به يصفّق لإنجازاتك، جمهور مبهور بمدى سرعتك في الأداء، وترتيبك السحري لوقتك، وتنظيمك الرائع لمهامك وإنجازك لكثير من الأمور في فترات وجيزة، ترى نفسك بعيون الآخرين شخصا آخر غير الذي تعرفه وتتعامل معه يوميا بل وتجلده على إهماله وتقصيره، ولكنك نوعًا ما تبدأ بالانجذاب لهذا المديح الذي يخدّر شيئا ما بداخلك، ولربما يعوّض جزءًا ما كنت قد أهملته، قد تبدو مرتاحا لفكرة أن يصفّق لك الآخرون، ثم تبدأ بالتعوّد على ذلك، وينتهي بك المطاف إلى إدمان هذا الشعور، وعندما تفقده تبدأ بالبحث عنه، تمارس الزيف والتكلّف في كل الأمور لمحاولة الوصول إلى تلك النشوة ولكن لا فائدة، لأن الناس أحبّت حقيقتك، أحبّت النتائج التي خرجت من شخص جاد وعمليّ ويركّز تماما على ما يريده، في الحقيقة، إن الجمهور -مهما كان صغيرا أو كبيرا- يحبّك عندما تكون ناجحًا، يرفعك لسابع سماء ويمجّد أبسط أمر تقوم به، يصفّق لك ويُشعرك بأنك أعظم من قام بهذا الأمر، تتضخم المشاعر وتتعاظم الأنا بداخلك، لدرجة أنك تنشغل بهذه الإطراءات عن مسيرك، ولربّما يكون الأمر لطيفًا في ذاته، ولكن ينتهي بك المطاف إلى التوقف الطويل...
لديّ
رأي خاص فيما يخص الإطراء أو الانتقاد لما نقوم به، ويشاع عادة بين الأفراد أنهم يخشون
الانتقاد، ولكنني على العكس تمامًا، فأنا أخشى الإطراء أكثر، ولأنني حازمة
في موضوع الانتقاد، فأنا لا أستقبله إلا عندما أطلبه من الأشخاص المختصين أو الذين
أثق برأيهم، ولذلك كان لي مساحة لتحديد موقفي من الإطراء تحديدًا، نعم الإطراء
جميل ويحمل معنى من التقدير، ولكنني أخشاه وأخشى توابعه، لأن كثرة سماعه يعني
ترويض مشاعري تدريجيا لتتغذى عليه، وهذا ما يحدث عند تكراره أو تضخيم ما أقوم به،
وربّما تكون مشاعر الخوف من أمر ما غير صحيّة، ولكنني فعلًا أصبحتُ أخاف الإطراء
إن زاد حدّه، ولكنني وجدتُ الحل عندما أصبحتُ لا أصدّقه حتى إن بدا لي صادقًا جدا،
وذلك لهدف واحد فقط، ألّا أحيد تركيزي عن مساره.