المشاركات

26- هل التناقض تنافر أم تناغم؟

2 min read

 

نعيش هذه الحياة متشبّثين بأشيائها الجميلة، ونتمنّى دائما أن يكون "بكرة أحلى!"، نقتات على هذا الأمل، لأننا نرى الحياة ونعيشها من هذا المنظور فقط، منظور الخير والجمال والوفرة والتدفّق، ولكن هذه ليست الجنّة، ولذلك فالسعي خلف هذه المفاهيم للعيش من خلالها أشبه بالمضيّ إلى الخلف، أو التقدّم إلى المستحيل، ولا أحد ينكر جماليّات هذه المبادئ وأهميّتها في حياتنا، وأن وجودها كلها أو بعضها في حياتنا يعطي لذة للعيش، ويستحق الأمر فعلًا السعي لأجله، ولكن الحياة لا تسير بهذه الطّريقة.
 

أبيض وأسود

هكذا هي الحياة، في أقصى الطّرف الأيمن يكمن البياض، وفي أقصى الطرف الأيسر يكمن السّواد، نقيضان يجمعان بينهما عددا لا نهائيا من الاحتمالات الواسعة، ونحن لا نستطيع التركيز على جانب البياض والخير وصرف النّظر تماما عن الجزء الأيسر، الجزء الذي يحتوي على المعاناة والألم والدّروس القاسية، وإذا كان لابدّ أن نتحيز لطرفٍ ما، فالأولى أن نتحيّز للطرف الأيسر! لأنه أكثر واقعية وارتباطًا بطريقة تكوين هذه الحياة.
 

دروس الحياة

هذه الحياة التي تبدأ بألم وتنتهي بألم، وتعايش من خلالها الكثير من الآلام، بل وحتى أنك لا تصل إلى السعادة أو الحكمة أو النور إلا من خلال الألم، من خلال المواقف المؤذية التي تتعرّض لها لتتعلم الدّرس، وإن كنت غير مدرك لذلك، فستُكرر الحياة ذات الدّرس مرارا وتكرارا وبطرق مختلفة ومع أشخاص جدد، لتعلّمك ذات الدرس الذي لم تستوعبه بعد، وفي كلّ مرة تتأخر عن فهم الدرس، سيكون اللّاحق أقوى وأمر، ولذلك كان من المهم جدا أن يتحلّى الإنسان بهذا الوعي تجاه الحياة، بأن النور ينبثق من الظلام، وأن السعادة تقبع خلف الحزن، وأن ألم الولادة ينتج عنه حياة جديدة، وأن البكاء دائمًا ما يكون سبيلًا لتطهير وتنظيف الرّوح، هذه هي تركيبة الحياة المتناقضة، والتناقض لا يعني الخلاف أو التعاكس أو التنافر، وإنما يعني التكامل والتناغم وتكوين صورة منطقية وتامّة، لا ينقصها أي شيء، لأن النقص جزء منها، ولا يزيد منها شيء لأن الزيادة منها وفيها، حياة مليئة بالشّح ومليئة بالوفرة، حياة مليئة بالدماء والموت والصراع، ومليئة بالسّلام والمحبة والتعاطف، والفطِن هو من سبق هذه الحياة بخطوة، وتعلّم الدّرس قبل أن يضطر للتعلم بالطرق القاسية، فأنت حين تعي الدرس من خلف هذا الموقف السخيف -بنظرك-، وتعي أنه لا شيء يحدث اعتباطا ومصادفة، وأن كل شعور سيء يمرّ بك سيعلّمك شيئا ما، فأنت لن تفوّت أي فرصة لاكتشاف النور من داخل الظلام، وفضلًا عن اكتشاف النور، ستتقي شر الحياة في تعليمها لك من خلال الدروس القاسية.

قد تُعجبك هذه المشاركات

  •  في التخلّي عن الأشياء سلامة لروحك، نحن حين نتخلّى لا نعلن تنازلنا عمّا أحببناه، ولا نعلن استسلامنا أمام حلم لم نصله، بل نتخلى لنزيح المكان لفرص جديدة، واحتمالات واسعة، وخيارا…
  •  الفشل السلبيهناك نوعان من الفشل، النّوع الأول هو بقاؤك في نفس المكان لأعوام طويلة بلا إحداث أي تغيير، وأنا لا أقول بأنك لم تحصل على نتائج، بل أقول بأنك لم تحاول أصلًا خوض أي …
  • يقولون أن ذكرياتك هي من تصنعك، أؤمن بهذه الفكرة بشكل جزئي، فالذكريات هي من صنعت نسختنا في الوقت الحاضر، ولكن ماذا عن نسختنا المستقبلية؟ ما الذي نعيشه اليوم وسيصنع ما نحن عليه في ال…
  •  أعتقد أن الإنسان بطبيعته كثير النسيان، ولذلك لا يجب أن نعوّل على ذاكرتنا أبدًا في تنفيذ المهام، فنحن بحاجة إلى تذكير أنفسنا بكلّ شيء تقريبًا، نحتاج تذكير أنفسنا بالمهام التي …
  • حين توضع أمام تحدّ كبير، فأنت أمام خيارين، إما أن تخوضه، أو تتركه، وفي هذه التدوينة سنناقش الاحتمالات لكلّ منهما.حين نخوض التحديات الجديدةقبل اتخاذنا لقرارنا الجريء، سنواجه الكثير …
  •  نعيش هذه الحياة متشبّثين بأشيائها الجميلة، ونتمنّى دائما أن يكون "بكرة أحلى!"، نقتات على هذا الأمل، لأننا نرى الحياة ونعيشها من هذا المنظور فقط، منظور الخير والجمال والوفرة و…

إرسال تعليق

ما تعليقك على التدوينة؟