المشاركات

25- التدوين كأداة اعتراض في وجه التشتت

 

أعتقد أن الإنسان بطبيعته كثير النسيان، ولذلك لا يجب أن نعوّل على ذاكرتنا أبدًا في تنفيذ المهام، فنحن بحاجة إلى تذكير أنفسنا بكلّ شيء تقريبًا، نحتاج تذكير أنفسنا بالمهام التي لابدّ أن نؤديها، وبالتقصير تجاه أحبائنا، وبالموعد الذي اتفقنا عليه مع فلان، وبالمهارة التي قررنا أن نتعلمها، نحتاج أن نتذكّر كل شيء في حياتنا تقريبًا! وهذه مسؤولية كبيرة، ذاكرتنا الصغيرة كيف ستحتمل كلّ ذلك؟ ولذلك كان التدوين لتذكير أنفسنا هو الخيار الأسهل، والأمثل.

أبسط مثال على تذكير أنفسنا عن طريق التدوين، هو حينما نكتب مهامنا على أوراق صغيرة، ونشدّد التذكير حين نقوم بتعليقها على الحائط الذي نراه معظم الوقت، ولكن التدوين لا يفيدنا في التذكير فحسب، بل قبل التذكير هو تفريغ لكل الأمور التي تتداخل في أذهاننا، فأنت يجب عليك التفكير في الطلب الذي طُلب منك، وما الذي يتوجّب عليك فعله لحل تلك المشكلة، وكيف ستقوم بإصلاح لمبة الغرفة المكسورة، ومتى ستقابل صديقك الذين انشغلت عنه كثيرًا، والكثير من الأمور الشخصية والعملية والاجتماعية والمستقبلية، فأنت تفكّر ماذا ستتغدى اليوم، وبعدها بخمس دقائق تفكّر في ثروتك المالية التي ستصل إليها بعد 10 سنوات، الموضوع مقلق ومشتت ولذلك يتوجّب عليك دائما أن تتذكّر الأشياء، وما أكثر الأشياء التي يجب علينا تذكّرها!

هناك خطأ كبير جدا وقعت فيه قبل قليل، ودائما ما نقع فيه جميعنا، وهو أننا نختار التدوين غالبًا لتذكير أنفسنا بالمهام! وكأننا فعلًا رتبنا كل مهامنا المتخبّطة في أذهاننا، وكأننا نعلم جيدا مكان هذه المهمة من الإعراب، نختار تذكير أنفسنا بها لكي نُسقِط عن أنفسنا اللوم، ولنشعر بأننا نقوم بشيء ما، ولكن التدوين قد يفيدنا بشكل عمليّ أكثر إذا اتبعنا الخطوات التالية في كتابة المهام:

1- التفريغ
أول خطوة هي الكتابة لأجل التفريغ، لا لأجل الترتيب ولا التخطيط ولا لأي شيء، فقط عمليّة تفريغ للحوارات العشوائية التي تحدث في عقلك، ونقلها على الورق مباشرة أمامك، لترى كيف يسير هذا الحوار بشكل واضح، ولتستطيع أن تقرر القرارات بصورة أوضح، كشخص ينظر من الأعلى، ولا يدور الحوار بداخله.
في هذه الخطوة اكتب كثيرًا وفكّر قليلا، لا تحلل ولا ترتب ولا تتخذ قرارات، ولكن ركز فقط على كتابة أي شيء يدور في ذهنك سواء كان صغيرا أو كبيرا، مهما أو غير مهم، بدءًا من استراتيجيتك العظيمة لتحقيق أول مليون دولار، وصولًا لمهمة شراء معجون لأسنانك 😊.

2- الترتيب
بعد نقل كل ما يدور في ذهنك على الورق، الآن تستطيع النظر إلى أفكارك ولكن من الأعلى! تستطيع التحديق بها وتفكيكها وفهم ماهيّتها وحجمها الحقيقي، ووفقًا لأحجام الأفكار المختلفة ابدأ في ترتيبها من حيث الأهمية، وهذه الخطوة تعتبر بمثابة ترتيب لأولوياتك، فأنت لا يفترض بك تأجيل صيانة سيارتك لأنك تفكّر في كيفية الحصول على ساعة رولكس من مالك الخاص، فكر بالأولويات، ورتّب المهام وفقًا للمهم ثم الأقل أهمية.

3- التقسيم
في هذه الخطوة وبعد ترتيب أولوياتك، ابدأ بتقسيم هذه المهام وتوزيعها على فترات زمنية، هناك مهام لا تتعدى الخمس دقائق، وهناك أفكار تأخذ سنينا من العمل، وهناك أفكار غير قابلة للتطبيق أصلًا، حدد التوقيت الزمني المناسب لكل فكرة، وفكّر فيما إذا كنت تريد تأديتها الآن؟ أم بعد أسبوع؟ أم بعد شهر؟ أو سنة؟ أو لا تريد تأديتها أصلًا؟ ضع جميع الأفكار في قوالب زمنيّة واقعيّة. كن صريحًا وصادقًا مع نفسك.

4- التذكير
تخيّل أن مهمة التذكير تأتي في آخر الخطوات! فبعد أن فرّغنا كل الأفكار من أذهاننا، ورتبنا أولوياتنا، وقسّمناها بناءً على الفترات الزمنية المناسبة، تأتي الآن خطوة التذكير لنذكّر أنفسنا بالمهام التي يجب عملها الآن! والتي تستحق بجدارة أن نوليها اهتماما كبيرا، ووقتا وجهدا مخصصين لها، وسيستحق الأمر أن تكتب لأجله ورقة صغيرة تذكّر بها نفسك لأداء المهمة، وفقًا لعقل ناضج وفارغ من المشتتات، وهادئ جدا، وجاهز للعمل.

التفرّغ لمدة 15 دقيقة لعمل هذه الخطوات الأربع، لفهم أولوياتك واحتياجاتك وإراحة عقلك من المهام غير الضرورية، قد يوفّر عليك عناءً يدوم لأسابيع وأشهر، وربّما سنوات (لا أمزح!).

إرسال تعليق

ما تعليقك على التدوينة؟