المشاركات

24- في التخلّي.. قوّة!

 

في التخلّي عن الأشياء سلامة لروحك، نحن حين نتخلّى لا نعلن تنازلنا عمّا أحببناه، ولا نعلن استسلامنا أمام حلم لم نصله، بل نتخلى لنزيح المكان لفرص جديدة، واحتمالات واسعة، وخيارات كثيرة، لم نعطها حقّها من الالتفات، لأننا دائمًا ما كنا مشغولين بهذه الأشياء الأخرى التي ظننا أنها جزء منا، واعتقدنا بأن امتلاكنا القديم لها بمثابة صك أبدي للتعلّق بها، وغاب عن أذهاننا لوهلة بأن فسْح المجال للوفرة المتدفقة في الحياة، يجلبها لنا.
التخلي عن العلاقات السامة، والمشاعر المتراكمة، وحاجيّاتنا القديمة، وأوقاتنا المهدورة، وتفكيرنا الضائع، التخلي عن كل ما يلازمنا ولا يلزمنا، لأن في التخلي وضوح وصدق مع الذّات، وشيء من التحرر وعدم التعلّق، وكثيرٌ من عزة النّفس.
 
نتخلّى لأن الامتلاك لا يعني السعادة
دائمًا ما كنت أؤمن بأن الامتلاك لا يعني السعادة، أو التطوّر، وفي كثير من الأحيان يؤدي الامتلاك إلى التعاسة، التأخر، والتشتت! وخصوصًا فيما إذا كان امتلاكًا لأشياء ماديّة بحتة، فالرغبة بالماديّات تزيد بشكل طردي مع إعطائها مساحتها في حياتنا، من الاهتمام وتلبية النداء، فعندما تبدأ بالاستهلاك لن تستطيع التوقف بسهولة، لأن الرغبة تزيد بالتعبير عنها، والاتزان هو خير مُعين لهذه المواقف.
تكمن السعادة حين تتخلّى عمّا يعيقك، وما لا يلزمك، تكتشف حينها أمورًا أكثر صدقًا لتحبّها، تستخرج المعاني وقيم الحياة من حقيقتها، وليس من زيفها أو أمورها الفانية، ولذلك حين يكون مصدر سعادتك مما لا يُشترى، فلن يعيق سعادتك أي شيء، فكما قرأت ذات يوم، أن "الأشياء الضرورية تكلّف قليلًا، أما الأشياء الكمالية فهي باهظة الثّمن"، وأول ثمن ستدفعه هو حريّتك، لأنك تكون أسيرًا لهذه الكماليّات، ولذلك كان التخلي من أشجع القرارات.
 
كماليّات غير ماديّة
من وجهة نظري الشخصية أن الكماليّات لا تقتصر على الأمور الماديّة، وإنما هناك علاقاتٌ كماليّة، ليست ضرورية في حياتنا وإنما تكمل شكل نموذج العلاقات الذي نود أن نكوّنه، ويمكن أن يكون هذا الأمر مفيدًا لبعض الأشخاص، ولكنني لا أحبّ العلاقات الكمالية غير الضرورية، ودائمًا ما يكون التخلّي سيّد الموقف.
بالطّبع لا أعني بالتخلي الازدراء، فنحن لا نتخلّى إلا عمّا لا يلزمنا -كما ذكرت-، ولكن في مقابل التخلّي هناك العناية والإخلاص تجاه كل ما قرّرنا التمسّك به، ونحن من خلال هذه الصّورة لن نتمسّك إلا بالأمور الضرورية لذواتنا وحياتنا، بما يُشعرنا بحقيقة الحياة، وبما يُشبع قيمًا معيّنة نحملها في دواخلنا، هذه الرعاية والاهتمام والحب المخلص لكلّ ما قرّرنا الاحتفاظ به بلا تعلّق أو خدش أو وضع توقّعات، فنحن نتخلّى عن الكثير، والكثير جدّا، لنحتفظ بقِلّة من أثمن الأشياء.

إرسال تعليق

ما تعليقك على التدوينة؟