18- فلاتر سنابشات على أرض الواقع

 

فلاتر (سنابشات) موجودة في واقعنا وبجدارة، نحن حين نستيقظ كلّ يوم نقرر الفلتر المناسب الذي سنضعه على وجهنا، ونختار الفلتر بعناية، فنحن نودّ أن نبدو لامعين، منمّقين، وبدون أي خلل أو خطأ، تنعكس هذه الفلاتر على كل شيء في حياتنا، على علاقاتنا وعملنا وتعبيرنا عن أنفسنا، فنحن لا نودّ أن نخطئ في عمل المهمّة الفلانية، ونودّ أن نحاط بجمل الانبهار والتصفيق، ونرغب بشدّة أن يكون كل ما يصدر منّا مثاليا وجذّابًا، مثل وجوهنا في فلاتر (سنابشات) بالضبط.

المشكلة الحقيقيّة تكمن حين نعتاد الفلاتر، فلا نستطيع أبدًا أن نتركها، أو أن نظهر بدونها، والأشدّ من ذلك، حين نكره صورنا وأطباعنا وشخصياتنا الحقيقية، بعيوبها وأخطائها وندوبها، فنحن نودّ أن نكون مثاليين وعلى أتم وجه من البراعة والكمال، نودّ أن ننسجم مع الصورة العالمية للمثاليّة، لأن كل شيء حولنا مثالي، أتدري لماذا؟ لأننا نرى الظواهر فقط، ويسهل جدا التّلاعب بالظواهر، لأن خلف هذه الظواهر تكمن الكثير من الإخفاقات الصغيرة والكبيرة، ويكمن قبح عظيمٌ وندوب مشوّهة، هذه طبيعة الحياة، تناقضات تكمل الصورة النهائية للحياة، ولكننا أجبن من مواجهة هذه الحقيقة، ولذلك قررنا وضع الفلاتر على أنفسنا، لأن الظواهر بالنسبة إلينا هي الحقيقة المطلقة والوحيدة لهذا الوجود، ولكننا لا نعي أننا بهذه الطريقة نحكم على أنفسنا بالدّفن أحياء، لأن عيوبنا ونقاط ضعفنا هي المحرّك الأساسي لنقاط قوّتنا، نحن لن ندرك قيمة الأشياء إن لم نعش متضادّاتها، نحن حين نحكم على أنفسنا بالكمال، فكأننا حكمنا عليها بالإعدام، لأن الكمال المطلق عدم، وغير موجود، ولذلك أهلًا بك في عالم الصراعات، في عالم الزّيف والتمثيل والخدع، لن تتردد أبدًا بالتلاعب لتثبت حقيقة زيفك، ولتحافظ على فلترك من الخدش، وأهلًا بك في عالم مليء بإثبات الذات للغير، ومحاولة الصعود على أكتاف الآخرين لإثبات صدق فلترك الكاذب!

الحقيقة أنه لا يوجد شيء حقيقي في هذه المعادلة، وكلّ ما تحاول صنعه من خلال هذا الفلتر هو المحافظة على صورته فقط، كأنك في حرب تحاول صدّ القذائف والدفاع فقط! لا يوجد تقدّم أو نمو، أنت لا تتقدم من خلال الحرب، أنت تحاول الحفاظ على شيء ما وحمايته، تعيش طويلًا وتتعب كثيرًا لتعش ضمن الحد الأدنى الذي وضعته لنفسك، وهو أن تبقى أسيرًا لهذا الزّيف.

تبدأ بالتطوّر حين تتخلى عن كبريائك، عن هذا الفلتر الزائف، فكما يتوجّب عليك تقبّل "أنفك الكبير" في كاميرا الجوال بلا فلتر، يتوجّب عليك أيضًا أن تتقبل عيوبك الكبيرة، مثل كسلك، تسويفك للأمور، مهارتك المنخفضة، ذكاؤك المتدني.

محاولتك لحماية كل عيوبك بلا استثناء هي بمثابة أنفك الذي تحاول تصغيره من خلال الفلتر! النمو لا يبدأ من قمة، بل يبدأ من حفرة! تخيّل! يبدأ من حفرة صغيرة تضمّ كل عيوبك، تحفر هذه الحفرة لا لتنزل إلى القاع وتستمتع فيه، بل لتراه بوضوح وتفهمه، وتدرك جيّدا الحقيقة التي تقول بأنه جزء منك، ولا مفرّ من ذلك، تتقبل كل هذه العيوب، لتحصل من بعدها على القوة الكافية التي تعينك لردم هذه الحفرة، لا لإخفائها أو التهرّب منها، ولكن لتزرع شجرة فوقها، وأنت بهذه العقليّة لا تؤمن بالشجرة التي تكبر بيوم وليلة وبضغطة زر! بل تؤمن بالتدرّج، تؤمن أن كل يوم بمثابة تقدّم صغير تجاه شجرتك الشّاهقة، وأنت تسقيها كلّ يوم بكثير من القبول والرضا والقناعة والاجتهاد والسعي، وحين تنمو شجرتك، لا تنسَ أنها نبتت من حفرة صغيرة تضمّ كل عيوبك.

تخلّ عن فلترك من الآن، فالفلاتر غير مقتصرة على (سنابشات)، وما أجمل أن تتخلى عن فلاتر السناب والواقع.

إرسال تعليق

ما تعليقك على التدوينة؟